لا حدود زمنية لعلاقة الإعجاب، وربما الود وأحياناً الخوف والرهبة التي تربط الإنسان بالكائنات التي تشاركه الحياة على الأرض، ومن بينها الحشرات على أنواعها. استلهم من أشكالها وأساليب حياتها، واستخدمها في مجالات مختلفة من حياته من ضمنها التعاويذ التي ارتداها، ثم أصبحت جزءاً من الحلي التي تزين بها وزخارف في أقمشة فصل منها أزياءه ورموزاً لكل منها قصة وغاية.
يعود اليوم عدد من المصممين إلى العصور القديمة في تصميمهم عندما كان الناس يستخدمون الحشرات الحقيقية كتعاويذ تحمي من الشرور أو تجلب الطالع الجيد. يجلبون أنواعاً من الحشرات التي حملت نوعاً من القدسية عند بعض الشعوب القديمة، تعالج كيميائياً للمحافظة على شكلها ثم ترصع بالذهب والأحجار الكريمة اللذين يضفيان نوعاً من الرداء الأنيق الفاخر، وتوضع في قلادة أو مشبك وحتى زينة الرأس. لكن هذه المبالغة في الابتكار لا تعجب كثيرين باعتبارها فظة وغير لائقة إذا ما وضعت في إطار المحافظة على البيئة وحقوق الكائنات الحية فيها ومن بينها الحشرات. وبالتالي تقابلها تصاميم رائعة من المجوهرات المستلهمة من الحشرات، تصنع من أنبل المواد، وترصع بالأحجار الثمينة بأساليب مبتكرة.
برز هوس المصممين والنخبة في المجتمعات الأوروبية في العصرين الإدواردي والفيكتواري في القرن التاسع عشر عندما كانت أشكال الفراشات واليعاسب والدعسوقة وأنواع من الخنفساء، القبعات والمجوهرات والفساتين الغنية بالأقمشة والتفاصيل.
واليوم تعود هذه التصاميم إلى تشكيلات دور المجوهرات، فوداعة الخنفساء ولونها الأحمر والأسود اللافت جعلتها واحدة من الحشرات المحببة للمصممين، وحجزت أجنحة اليعسوب الممتدة برشاقة مكاناً لها في المجوهرات. ووجدت دور أخرى في النحل مصدر إلهام بخطوطه السوداء والصفراء، إلا أن الفراشات بأجنحتها وألوانها تبقى أكثر كائنات هذه الفئة استحساناً وطلباً. رغم هشاشتها ورقتها وألوانها تلهم دور المجوهرات فتجعل منها قطع مجوهرات مذهلة. تشكل أجنحة الفراشات واحدة من أكثر اتجاهات الموضة الملحوظة. تتراقص بأشكالها وألوانها، لما فيها من سحر مغر ومزينة بإكسسوارات وملابس مذهلة تلاقي صيحات الموضة.
رأت ثقافات وشعوب في الفراشة رمزاً لمثاليات وأحلام وأمنيات فصارت أشبه باسطورة. ترمز إلى التبدل الجذري والانتقال من مرحلة إلى أخرى لا تشبه التي سبقتها بشيء، فيها الجمال والحرية والانطلاق نحو الأفق الفسيح بخفة احتفالية رائعة. ترتبط الفراشة بالروح والإيمان فخرجت من كونها مجرد حشرة ضعيفة، لتكون رمزاً للحب الأزلي، تنثر برفرفة جناحيها الفرح والألوان، تتراقص في الفناء، تتنقل بين الأزهار، تتقن جيداً لعب جنيات القصص الخرافية مدغدغة بحنيّة أحلام الطفولة البريئة.